لاشك أن أي دارس لمجال الترجمة واللسانيات، سيجد ثمة تشابه أو ارتباط وثيقًا بينهما، حيث اتخذت الترجمة من اللسانيات أساسًا ثابتًا لها ، وانبثقت منها حتى أصبحت على ما نحن عليه الآن، علم أكاديمي يدرس ومجالا احترافيًا.
حيث أن الترجمة تستعين باللسانيات في معرفة بنيات اللغات، خصائصها، ومميزاتها، ومعرفة قضايا التواصل بين اللغات والتقريب بينها
ولكن بالرغم من ذلك، لا يزال الجدل مستمرًا حول العلاقة بين الترجمة واللسانيات، وذلك لأن اللسانيات تعد من أكثر حقول العلم انفتاحًا وتأثيرًا على غيرها من العلوم والأنشطة.
حيث أن موضوعها وأساسها هو اللغة، واللغات هي قالب الأفكار، المفاهيم، والمعرفة، ومنذ البدء في وضع نظريات الترجمة الحديثة، ظهر ارتباطًا وثيقًا بين علم الترجمة وعلم اللسانيات، حيث رأى بعض العلماء أن نظريات الترجمة يجب أن تكون متصلة وقائمة على علم اللسانيات.
بينما رأى البعض الآخر ضرورة أن تكون نظريات الترجمة بموضوعاتها منفصلة ومستقلة عن أي علم من العلوم الأخرى، وأن كل من اللسانيات والترجمة علوم قائمة بذاتها لا يوجد أي ارتباط بينهما.
وبالرغم من حالة الجدل المستمرة بين ضرورة انتساب اللسانيات والترجمة لبعضهما البعض من عدمه، أصبح من الضروري بحث طبيعة العلاقة بينهما، حتى يمكننا الخروج بنتائج مثمرة تفيد الدراسات والمناهج البحثية في الفرعين.
ويمكن القول أن البحث في العلاقة بين اللسانيات والترجمة يستلزم الإلمام بكافة التفاصيل والمستويات لكل من الفرعين.
ما هي الليسنيات
هو دراسة اللسان البشري الناطق للغات الإنسانية في شكل أصوات، نبرات صوت، لهجات مختلفة، ولغات عديدة، حيث تدور اللسانيات حول دراسة الظاهرة اللغوية، أي المبادئ العامة الخاصة بكل لغة. فهي تصف البنية الصوتية،الصرفية، التركيبية، الدلالية، المعجمية، التداولية للغة، بجانب أيضًا تاريخ هذه اللغات وعلاقتها ببعضها البعض. لذلك يمكن القول، أن اللسانيات تبحث كيفية تطور اللغات في العقل البشري، فهي توضح كيفية تشكل اللغات البشرية وكيفية عملها، بمعنى دراسة اللغات الإنسانية دراسة علمية، تقوم على وصف اللغة بعيدًا عن النزعة التعليمية والأحكام المعيارية.ما هي الترجمة اللسانية
وهي ترجمة النصوص والمحتوى المرتبط بالموضوعات اللسانية ومختلف فروعها، ويتدرج من هذا النوع، الترجمة المتخصصة التي تتناول موضوعات ونصوص مرتبطة بمجال معين مثل: الطب، الرياضيات، الفلسفة، الدين، وغيرها أي أنها ترجمة نص متخصص، ويقوم ذلك على أساسين، وهما:- أولًا: أن يكون المحتوى المعبر عنه في لغة المصدر مطابق للمحتوى في لغة الهدف، وهو ما يسهل عمل المترجم في إيجاد المترادفات، المصطلحات، والمقابلات المناسبة.
- ثانيًا: قد يواجه المترجم صعوبة في إيجاد حالة من التطابق في لغة المصدر والهدف، وذلك لأن الترجمة هنا ليست مجرد نقل محتوى من لغة إلى لغة، فهي تتطلب ﻓﻬﻢ اﶈﺘﻮى اﻟﻠﺴﺎﱐ أي ﻓﻬﻢ اﳌﻀﻤﻮن.
علاقة اللسانيات والترجمة
كما ذكرنا سابقًا فإن اللسانيات هي دراسة الظاهرة اللغوية بكل تفاصيلها، أما الترجمة فهي نقل المعاني والنصوص من لغة إلى لغة أخرى، مع الحفاظ على هوية المحتوى وخصائص لغة الهدف والمصدر. ولذلك يمكن القول أن الشيء المشترك بين اللغة واللسانيات، هو أن اللسانيات تمد الترجمة بخصائص وتقنيات النقل اللغوي. حيث تتطلب الترجمة الدقيقة من لغة إلى أخرى، معالجة جميع وظائف علم اللغة، مثل: تحديد القواعد المستخدمة، معنى الكلمات كمكونات فردية، كيفية بناء العبارات والجمل دون الإخلال بالمعنى، وغيرها. ولذلك يمكن القول، أن اللسانيات تساعد في العمل الترجمي من خلال تحقيق التواصل بين اللغات والتقريب بينهما. كما يرى البعض أن الترجمة تعد أحد موضوعات اللسانيات.دور اللسانيات في صياغة نظريات الترجمة
تقوم النظريات اللسانية للترجمة على مبدأ إعادة صياغة النص الأصلي، عن طريق ترجمة كلمة بكلمة، أو جملة بجملة مع مراعاة العناصر اللغوية للنص الأصلي من نحو، صرف، بلاغة، ثقافة، وغيرها. ولذلك يرى فيدروف أن عملية الترجمة هي في الأصل لغوية، وأن كل نظرية في الترجمة قائمة على أسس و مبادئ اللسانيات. وقد بدأت العلاقة بين الترجمة واللسانيات على عدة مراحل، كانت البداية في أوائل القرن التاسع عشر، وذلك من خلال التناول العلمي والتحليلي لأساليب الترجمة المستخدمة في ذلك الوقت، حيث كان الهدف منها حينذاك التعريف بعملية الترجمة. ومع بداية مطلع القرن العشرين وحتى الستينيات من هذا القرن، كانت نظريات الترجمة تطبق وفق أسس لغوية وفلسفية، أي من خلال التكافؤ اللغوي والمقاربة بين المعاني. ومنذ ذلك الحين حتى يومنا هذا، ظهرت الحاجة للتوفيق بين جميع وجهات النظر المختلفة من خلال مزج أبرز وأهم الأسس مثل: : النظرية اللغوية، الأسلوبية، الدلالية، المعجمية، الوصفية، و غيرها من النظريات. وفيما يلي أهم نظريات الترجمة التي جاءت وفقًا لمبادئ اللسانية:نظرية كاتفورد
حيث تعتمد النظرية هنا على أساسين: الأولى اللغة الصرف، والثانية التعبير والدلالة. حيث أن الترجمة وفقًا له، هي استبدال نص كتب في لغة الأصل بنص آخر مطابق تم كتابته في لغة الهدف.نظرية لفيني وداربيلني
وقد أكدا على أن الترجمة يجب أن تتم وفق 3 مستويات، وهي: مستوى المفردات، التراكيب، و الرسالة، أي أن هناك نوعان من الترجمة، وهما: الترجمة الحرفية المباشرة، والترجمة التي تعتمد على التكافؤ والاستبدال، والتكيف.نظرية نيومارك
أقترح نيومارك وفق مباديء اللسانية عدة أسس للترجمة، وهما كالتالي:- الترجمة التواصلية: حيث يجب على المترجم هنا إحداث نفس التأثير الذي أحدثه النص الأصلي.
- الترجمة الدلالية: يجب على المترجم هنا الحفاظ ونقل دلالة الألفاظ والخصائص اللغوية والنحوية للنص الأصلي، أي من خلال مبدأ التكافؤ الذاتي.
ما هي فروع علم اللسانيات؟
يمكن اعتبار اللسانيات علمًا شموليًا يتناول جميع اللغات بالدراسة العلمية وفق منظور علمي دقيق، يعتمد بالأساس على وصف، بناء النماذج، وتحليلها. لذلك تم تقسيمها إلى قسمين يتمثلان في اللسانيات النظرية العامة ( الوصفية) واللسانيات التطبيقية. حيث تتناول اللسانية العامة الوصف العام للغات، الكشف عن بنياتها الداخلية، وهي تضم الفروع التالية:- علم الأصوات: أي دراسة أنماط الصوت،بجانب الخواص الفيزيائية للغة.
- الصوتيات: – دراسة كيفية إنتاج الأصوات وذلك من خلال معرفة مخارج الحروف، وكيف تصدر تلك الحروف من عدة أماكن متفرقة.
- علم الصرف والنحو : كيفية بناء الكلمات وعلاقتها ببعضها البعض، بالإضافة إلى العلاقات النحوية التي تقوم بربط مكونات الجملة بعضها البعض.
- علم بناء الجملة :دراسة بنية الجملة.
- علم الدلالة : دراسة المعنى اللغوي للكلمة.
- البراغماتية: وهي دراسة كيفية استخدام اللغة، وفهمها في سياقات ومواقف مختلفة.
- علم اللسانيات التاريخية: وهو يدرس تطور و نشأة اللغة عبر التاريخ.
- علم الأسلوب: مثل البلاغة في الأسلوب.