الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي تفتقر إلى القدرة على فهم السياقات الثقافية والعاطفية المعقدة التي يدركها البشر بفضل تجربتهم وإبداعهم. تقنيات الذكاء الاصطناعي قد تساعد في توفير ترجمات أولية أو معلومات مساعدة، لكنها لا تستطيع تقليد الدقة والفن الذي يضفيه المترجم البشري، مما يجعل ترجماتها في كثير من الأحيان حرفية أو غير دقيقة. علاوة على ذلك، فإن هذه التقنيات لا تتطور بشكل مستقل وتظل محدودة ببياناتها المدخلة، مما يحد من قدرتها على مواكبة تطور اللغة واللهجات. لذلك، تبقى الترجمة البشرية الخيار الأمثل لضمان نصوص دقيقة تعبر عن الروح والمعنى الحقيقي للنصوص، ونفصل ذلك فيما بلي:
أسباب عدم استبدال الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي بالمترجمين
الترجمة البشرية لا يمكن استبدالها بالذكاء الاصطناعي لأنها تتطلب فهم السياق الثقافي واللغوي المعقد وتقدير المشاعر والنيات التي لا تدركها الآلة. كما أن المترجمين البشر يتميزون بالإبداع والقدرة على التكيف مع التطور اللغوي المستمر، وهو ما يعجز الذكاء الاصطناعي عن تحقيقه.
1– البشر وحدهم يمكنهم فهم السياق:
البشر وحدهم يمكنهم فهم السياق، والترجمة في السياق من أهم جوانب عملية الترجمة الصحيحة، حيث يجب على المترجم أن يضع السياقات المختلفة للنص الذي يقوم بترجمته عين الاعتبار حتى يقوم بالتعبير عن النص الأصلي بشكلٍ سليمٍ.
تقنيات الذكاء الاصطناعي لن تلتقط دقائق السياق السياسي، أو الثقافي، أو الديني التي يتضمنها النص، ويحاول التعبير عنها بشكلٍ خفيٍ طفيفٍ، ولن يلتقط كذلك النغم الذي ينساب في صفاتٍ وعباراتٍ دقيقة يكون ظاهرها غير باطنها، ولن يلتقط اختلافات اللهجات، وأساليب الحديث. فكيف ننتظر منه أن يعبر عما لا يفقهه؟
أقصى ما يمكن للذكاء الاصطناعي فعله في هذا الإطار هو مساعدة المترجم على إيجاد بعض المعلومات، أو إيجاد معاني بعض الكلمات، أو ترجمة بعض العبارات التي يقوم المترجم فيما بعد بتعديلها، وتشكيلها حتى تصبح قطعة الأحجية الخاصة بالنص.
2– تقنيات الذكاء الاصطناعي غير حيادية:
إن تقنيات الذكاء الاصطناعي غير حيادية؛ فإن المطور الذي يقوم بتأسيسه وتطويره يقوم بتغذيتها بالبيانات والمعلومات التي تحلل البيانات على أساسها، فتكون بطبيعة الحال متحيزة وغير حيادية.
تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي لا يمكنه أن يحاكي عمليات التطور الإنسانية الطبيعية والتي تتمثل في التطورات اللغوية والثقافية التي تطرأ بشكل طبيعي على المجتمعات، ويكون في ذلك الحين الذكاء الاصطناعي أسير المطور، حيث لن يستطيع اللحاق بركب ذلك التطور دون أن يغذيه به المطور الخاص به.
ولهذا السبب لن يستطيع الذكاء الاصطناعي أبداً أن يفهم آليات التواصل البشري، أو العلاقات المعقدة التي تجمعهم كما يفهمها البشر أنفسهم، وحين يكون الأمر متعلقاً بمحاكاة هذا التواصل من خلال الترجمة فلن يرقى الذكاء الاصطناعي إلى أكثر من مجرد مساعداً محدود القدرة.
3– لا يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن تحاكي الحديث البشري:
الحديث البشري الطبيعي يحمل بين طياته سخرية، وغضب، وحزن، ومواساة، وغيرها من المشاعر التي لن يفهم ملامحها الذكاء الاصطناعي؛ فهذه المشاعر لها مظاهر كثيرة، وبعض هذه المظاهر متضاربة فنحن الشر تارة نبكي حزناً، وتارة نبكي فرحاً، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلتقط مثل هذه الدقائق في الحديث البشري.
لاحظ المترجمين وخبراء علم الحاسب أن الذكاء الاصطناعي يواجه صعوبة في ترجمة النكات، وغالباً ما يكون نص الهدف غير سليم، وفي بعض الأحيان غير مفهوم، حيث إنه لا يملك آليات فهم محاولة البشر إلى استدعاء موقف مضحك أو ساخر.
على الجانب الآخر، فإن المترجمين البشر يتمكنون من التقاط مثل هذه الدقائق في الحديث البشري، والتعبير عنه بمختلف الوسائل التي لا يتقنها غير البشر أنفسهم من خلال خطوات عملية الترجمة المختلفة.
4– الترجمة فن يفوق أي قيد:
حين نقول أن الترجمة فن يفوق أي قيد لا نعني أنها لا تخضع لقواعد تنظمها، وإنما نعني أن تلك القواعد لا تحاول تقييد أيدي المترجم، وإنما تضيء له كل السبل ليتخير منها ما يناسب الرسالة التي يحاول التعبير عنها.
على الجانب الآخر فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي تخلو من أي ملامح للإبداع الفني، وإنما هي تتبع بعض القواعد الذي يضعها المطور دون أي وعي، ولذلك لا تستطيع أن تقوم في معظم الحالات بأكثر من ترجمة حرفية غير مفهومة، وإن فاقت كل التوقعات فإنها تقوم بإنتاج ترجمة ركيكة لا ترقى لمستوى النص الأصلي.
لهذا فإن ترجمة الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن تضاهي الترجمة البشرية التي تصبح معها كل الاحتمالات يمكن أن تصير واقعاً نلمسه بأناملنا، ونقرؤه بأعيننا.
5– النصوص ليست موضوعية:
من التحديات التي تواجه تقنيات الترجمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي أن النصوص ليست موضوعية، وليست واضحة المعنى؛ إذ يختلف تفسيرها حسب العقل الذي ينظر إليها، وكل إنسان يقرؤها بعينه، ويفسرها حسب رؤيته لها، وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي فعله.
في الواقع، بعض النصوص موضوعية كالمراجع العلمية، والمستندات الرسمية، أما الترجمة الأدبية لمختلف أنواع النصوص، أو الترجمة الصحفية، أو الترجمة الدينية فإن احتمالات معناها لا حصر أو نهاية لها، ويمكن قراءتها بألف طريقة مختلفة.
لذلك فإن النص الواحد قد ينتج عنه أكثر من ترجمة بشرية، وجميعها سليمة وصحيحة، وجميعها تنظر إلى العمل من خلال عدساتٍ مختلفة، وتبرز فيه معالم مختلفة حسب رؤية المترجم، و قراءته للنص.
6– تعقيدات عملية الترجمة:
عملية الترجمة ليست مجرد استبدال كلمة بأخرى توازيها في المعنى، ولو كان هذا هو الحال لسيطرت الآلة منذ زمن على الترجمة، ولكن كما هو الحال فإن الترجمة هي تعبير عن فكرة، وشعور، ورأي من لغة إلى أخرى.
كما أن في عملية الترجمة يتكاتف أعضاء الفريق من السياق الثقافي، والتعبيرات اللغوية، والتعبيرات الجمالية من أجل إنتاج نصٍ يمكن أن يعطي للجمهور الهدف نفس تجربة نظيره المصدر، وهو ما لا تستطيع تقنيات الذكاء الاصطناعي القيام به.
كما أن عملية الترجمة تتضمن ترجمة النية المحتملة وراء العمل، وهو أمر يصعب على تقنيات الذكاء الاصطناعي فهمه أو التقاطه، ولا يسعها سوى أن تغفل عنه في معظم الحالات، مما ينتج ترجمة ضعيفة، لا تعبر بشكلٍ كامل عن العمل الأصلي.
7– صعوبة تطوير تقنية ترجمة آلية عالمية:
إن تطوير تقنية ترجمة آلية عالمية تستطيع أن تفهم كل لغات العالم، وأن تنساب بين لهجاتها المختلفة بروية، وأن تعي السياقات التاريخية والحضارية المختلفة التي تحيط بتلك اللغات يحتاج إلى درجة عالية من التكنولوجيا لم نصل إليها بعد.
بجانب التكنولوجيا، فإن تطوير هكذا أداة يتطلب بذل جهد خرافي لا يقدر فريقاً متكاملاً حتى أن يقوم به، فما هو الفريق الذي يستطيع أن يفهم أعضاؤه كل لغات العالم، ويعرفون كل كبيرة وصغيرة عن تاريخ تلك اللغات، وعن تاريخ الأمم والشعوب التي تتحدث تلك اللغات حتى يقوموا بتغذية الآلة بهذه المعلومات.
ربما في المستقبل نجد حلولاً يجعل هذا التحدي يتبدد أمام تقنيات الترجمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، ولكن حالياً يبدو أن العالم سيستمر في الاعتماد على المترجم البشري لإدارة كافة عمليات الترجمة الاحترافية.
8– عدد اللغات الحالي في العالم:
عدد اللغات في عالمنا الحديث يتجاوز الـ 7000 لغة، وهذا عدد اللغات الرسمية فحسب، فإن عدد اللهجات غير الرسمية، والألسنة القبائلية، واللغات التي انقرض استخدامها وتاهت عن ذاكرة العالم يتعدى هذا الرقم بكثير.
تواجه تقنيات الذكاء الاصطناعي بعض التحديات في تحديد اللغة الصحيحة التي يوجد بها النص المصدر، ثم تواجه صعوبة في تحويل النص إلى اللغة السليمة التي يختارها العميل؛ ففي بعض المواقف عندما حاول البشر الاعتماد على الترجمة الآلية في بعض المهام وُجدت أخطاء فيما يتعلق بتعرف الآلة على لغة المصدر الخاصة بالنص ولغة الهدف التي يجب تحويل النص إليها.
إن هذا التحدي لن يتبدد مع الوقت، وإنما سيزداد الوضع تعقيداً، حيث تزداد عدد اللهجات واللغات التي يتحدثها الناس في العالم، ونكتشف كل يوم المزيد من اللغات التاريخية التراثية التي نحاول تفكيك شفراتها، مما يزيد من صعوبة مهمة الذكاء الاصطناعي في الترجمة.
9– التطور اللغوي المستمر:
إن التطور اللغوي المستمر يشكل تحدياً أمام تقنيات الترجمة الخاصة بالذكاء الاصطناعي، حيث إن اللغة الواحدة، واللهجة الواحدة تتطور باستمرار، وتنبثق من بين مفرداتها مفردات جديدة باستمرار، وحتى المفردات التي توجد بالفعل في اللغة يختلف معناها ويتطور من فترة زمنية إلى أخرى، ومن موقعٍ جغرافي إلى آخر.
علماء اللغة يرون أن وتيرة التطور اللغوي للغات المختلفة أسرع من قدرة الذكاء الاصطناعي والقائمين على تقنياته على استيعابه، وتضمينه في معالجات الترجمة الآلية، ولذلك فإن الترجمات التي تنتجها تلك البرامج الآلية تكون قديمة وبالية.
على الرغم من أن المترجم البشري الاحترافي الواحد لن يكون فقيها في التطور اللغوي لكل اللغات، ولكنه يجب أن يكون ملماً بمعالم التطور اللغوي للغتي المصدر والهدف موضع الترجمة.
10– خطورة الاعتماد على شبكة الانترنت:
إنه من بالغ الخطورة أن يقوم البشر بالاعتماد الكامل على شبكة الانترنت، حيث إنها قد تكون غير مستقرة، ومعرضة للمخاطر في العديد من الحالات، مما يضع الوثائق التي تقوم بترجمتها في خطر.
ما الذي يمكن أن يحدث إن ائتمنت البشرية كل معارفها المترجمة التي تصل أقصى العالم بأدناه إلى شبكة يمكن أن تنهار لأسباب كثيرة؟ الكثير! ولكن على الأغلب لن يكون خيراً أبداً.
لذلك يجب أن تعتمد البشرية على نفسها في عملية تواصل الحضارات والثقافات التي تحدث من خلال الترجمة، وأن توكل هذه المهمة إلى المترجمين من البشر الذين ينأون بالمعرفة البشرية عن هذه المخاطرة.
تزايد الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي أثار بعض اللغط حول ما إذا كان قادراً على استبدال البشر من المترجمين، وقد قمنا في هذا المقال بتبيين بعض الأسباب التي قد تحول دون هذا، موضحين دور المترجمين البشر في إنتاج نصوص مترجمة ذات جودة عالية.
هل الذكاء الاصطناعي يهدد المترجمين؟
الذكاء الاصطناعي لا يهدد المترجمين بشكل كامل، لكنه يغير طبيعة عملهم ويضعهم أمام تحديات جديدة. فعلى الرغم من التقدم الكبير في تقنيات الترجمة الآلية، فإنها لا تستطيع تقليد الدقة والفهم العميق الذي يحققه المترجم البشري، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالنصوص الأدبية أو الثقافية المعقدة التي تحتاج إلى إبداع وفهم عميق للسياق. تقنيات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تكون أدوات مساعدة للمترجمين، تسهل عليهم العمل من خلال توفير ترجمات أولية أو معلومات مرجعية، ولكنها لا تستطيع استبدال المترجمين تماماً. لذا، المترجمون الذين يستفيدون من هذه التقنيات ويطورون مهاراتهم لتكملها سيظلون في موقع قوي، حيث تظل الحاجة إلى الترجمات الدقيقة والإبداعية أمراً لا يمكن للآلة تحقيقه بمفردها.
احترف الترجمة القانونية مع خبراء فاست ترانس
هل ترغب في تطوير مهاراتك في الترجمة القانونية ومواجهة التحديات التي تواجه المترجمين المبتدئين؟ نحن في فاست ترانس ندرك أن الترجمة القانونية تتطلب دقة وخبرة تتجاوز مجرد نقل الكلمات. انضم إلى دوراتنا التدريبية المتخصصة لتحصل على المعرفة والمهارات التي تؤهلك لتقديم ترجمات قانونية دقيقة، موثوقة، ومهنية
ابدأ رحلتك نحو التميز في الترجمة القانونية اليوم! للمزيد من التفاصيل، تصفح الدورة الآن!
الخاتمة
الترجمة باستخدام الذكاء الاصطناعي تواجه تحديات كبيرة عند محاولة فهم السياق الثقافي، الاجتماعي، أو العاطفي للنصوص، وهو ما لا يمكن للآلة إدراكه بالطريقة التي يفعلها البشر. تقنيات الذكاء الاصطناعي غالباً ما تُنتج ترجمات حرفية أو غير دقيقة، لأنها لا تستطيع استيعاب التعقيدات اللغوية والفنية، مثل النكت أو الإشارات غير المباشرة، مما يجعلها عاجزة عن إنتاج نصوص تعبر عن المعنى الحقيقي كما يفعل المترجم البشري. علاوةً على ذلك، تفتقر هذه التقنيات إلى الإبداع الفني الذي يسمح بتقديم ترجمات متقنة تعكس الروح الأصلية للنص.
على الرغم من تقدم الذكاء الاصطناعي في مساعدته للمترجمين من خلال توفير بعض المعلومات أو الترجمة الأولية، إلا أن تطوير تقنية ترجمة آلية شاملة تعي كل تفاصيل اللغة واللهجات والتطورات الثقافية لا يزال مستحيلاً، نظراً لعدد اللغات الكبير وتطورها المستمر. بالإضافة إلى أن هذه الأنظمة تعتمد على البيانات المدخلة من البشر، مما يجعلها متحيزة ولا تستطيع التطور بمفردها. لذلك، تبقى الترجمة البشرية هي الأداة الأكثر كفاءة لضمان جودة الترجمة وفهم السياقات المختلفة بشكل دقيق.