بيتر نيومارك يعد من رواد الترجمة الذين ربطوا بين اللغة والثقافة، حيث اعتبر أن الترجمة ليست مجرد استبدال كلمات، بل هي نقل للمعاني بما يتناسب مع الخلفية الثقافية للقارئ. ركز في نظريته المعروفة باسم نظرية بيتر نيومارك في الترجمة على “التكافؤ الديناميكي” لإحداث نفس تأثير النص الأصلي لدى قراء النص المترجم.
اقترح نيومارك نوعين من الترجمة: الدلالية، التي تركز على المعنى الأصلي، والتواصلية، التي تهدف إلى تحقيق تفاعل القارئ مع النص. كما اهتم بحل مشاكل الترجمة من خلال إيجاد مقابلات ثقافية دقيقة والحفاظ على دقة المعلومات، مما جعل نظريته أساسًا لتطوير مهارات المترجمين وتحسين جودة النصوص المترجمة.
من هو بيتر نيومارك؟
يعد البروفيسور بيتر نيومارك هو أحد أهم الشخصيات الرئيسية في تأسيس نظريات الترجمة الناطقة باللغة الإنجليزية، كما اهتم أيضًا بالترجمة الخاصة باللغة الإسبانية.
وقد اهتم نيومارك باللغة والحضارة، ولذلك احترم نقل وترجمة نصوصها بدقة شديدة، كما كان له دورًا في تأسيس وتطوير مركز دراسات الترجمة في سري بصفته أستاذ للترجمة في جامعة سري، بجانب كونه رئيسًا لهيئة تحرير مجلة الترجمة المتخصصة.
حيث كانت له العديد من الكتابات ومقالات لمجلة The Linguist، ولقد جمع نيومارك بين دراسات الترجمة ودراسات اللغة، واستخدم الدراسات اللغوية لتوجيه وتطوير مجال الترجمة، حيث أشار إلى أن الترجمة ليست علمًا فحسب، بل هي أيضًا فن ومهارة.
و كان الهدف من دراساته وأبحاثه في مجال الترجمة، هو حل المشكلات والصعوبات التي تواجه المترجم، وتكمن شهرة نيومارك في نظريته في الترجمة التواصلية، التي تؤكد على أهمية الترجمة بناءً على احتياجات وتوقعات القراء.
ولذلك كان أسلوبه في الترجمة يتسم بالبساطة، الدقة،والفاعلية في نقل المعنى، وأحساس الكاتب إلى القراء، وقد توفي عن عمر يناهز 95 عامًا في عام 2011.
اقرأ ايضا: معايير نظرية الأنظمة المتعددة في الترجمة
ما هي نظرية بيتر نيومارك في الترجمة؟
تسمى نظرية بيتر نيومارك في الترجمة بنظرية السوسيو ثقافية، وهي التي توضح معنى الكلمة أو النص بالرجوع إلى المرجعية الثقافية لهذه النص، حيث يرى نيومارك أن اللغة هي ثقافة، وأن ترجمة اللغة أو النص ما هي إلا ترجمة ونقل لهذه الثقافة.
حيث تركز نظرية نيومارك على القارئ، وتهدف إلى إحداث نفس التأثير الذي أحدثه النص الأصلي.
فالترجمة هنا لا تقوم فقط بتحليل كلمات النص الأصلي، بل أيضًا تحليل النص المترجم.
وقد عرف نيومارك نظريته على أساس التكافؤ الديناميكي بين النصوص، وذلك من خلال التركيز على السياق اللغوي والسياق الثقافي لتحليل المعاني والكلمات.
ويري نيومارك أن الترجمة الحرفية التي تعتمد على استبدال كلمة بكلمة من لغة إلى لغة أخرى، قد تؤدي في النهاية إلى ضياع معنى وهوية النص.
وقد يحدث ذلك نتيجة عدة مشاكل في الترجمة، ولعل أبرزها ما يلي :
صعوبة ترجمة المعنى:
قد يفقد النص المترجم جزءًا من معناه في حالة وصف موقفًا خاصًا بالبيئة الطبيعية أو الثقافية أو الحضارية لشعب أو بلد معينة، وهو ما يستلزم ما يلي:
- فهم المعنى، وهو ما يتطلب تفسير وتوضيح النص.
- إعادة صياغة النص، وهو ما يتطلب إبداع كبير من المترجم.
إيجاد المقابلات:
يجب على المترجم التوصل لأفضل الطرق للعثور على المرادفات والمقابلات في الكتابة.
طرق ترجمة بيتر نيومارك
يرى بيتر نيومارك أن الترجمة هي نشاط اجتماعي شأنه شأن أي نشاط اجتماعي آخر، يقوم به مجموعة من الأفراد سواء كان مترجم، مراجع لغوي، وغيرهم.
كما أنها تتم وفق السياق الاجتماعي سواء مجتمع النص الأصلي، أو المجتمع المستهدف و المستقبل للنص المترجم.
وقد أقترح بيتر نيومارك في كتابه الشهير مقاربات في الترجمة، أن هناك مباديء أو طريقتين للترجمة، وهم:
- الترجمة الدلالية وذلك من خلال إعادة تقديم المعنى الموجود في النص، وفق حدود اللغة و الهدف من النص ودلالته،
- الترجمة الاتصالية وذلك من خلال إحداث تأثير لدى المتلقي بلغة الهدف، يماثل التأثير الحادث للمتلقي في لغة المصدر.
أساس نظرية بيتر نيومارك في الترجمة
وتقوم نظرية بيتر نيومارك في الترجمة على عدة أساسيات ومبادئ، ولعل أبرزها ما يلي:
استراتيجية التأثير على المتلقي
يشير بيتر نيومارك إلى أن الترجمة التواصلية تخضع لثقافة اللغة الهدف، حيث تعطي الأولوية للقارئ أو المتلقي، حيث يعد الغرض الرئيسي من ترجمة النصوص هو التواصل، بجانب تكوين الفهم والاستجابة.
ويوضح نيومارك أن كل بلد لديها ثقافات ولغات مختلفة، وهو ما قد يحدث أخطاء في الترجمة، ولذلك ينبغي هنا تعديل الهيكل النحوي للغة النص وفقًا للغة المتلقي وثقافته.
ويقترح نيومارك التركيز أكثر على المتلقي وبيئته، بدلاً من التركيز على العمل الأصلي، حيث يمكن للمترجم تشكيل وترجمة العبارات والكلمات وفقًا لذلك.
وبذلك يمكن أن تكون الترجمة واضحة وسهلة الفهم.
مبدأ تكافؤ الأثر المتوقع
يوضح نيومارك أن نظريته في الترجمة تحاول التأثير على قرائها تأثير يوازي، ذلك الذي يشعر به قراء النص الأصلي.
لهذا السبب، يجب على المترجم أن يستخدم لغته الخاصة ومفرداتها لإنتاج نسخة تعطي نفس التأثير.
مبدأ دقة المعلومات
يشدد نيومارك أنه يجب التأكد من أن الرسائل و معلومات النص الأصلي صحيحة ودقيقة، وعلى الرغم من أن المترجم قد يغير شكل النص الأصلي، لكن ينبغي للترجمة التعبير عن الرسالة الأصلية في المقام الأول.
فإذا فشل المترجم في الالتزام بالنص الأصلي، فإن ما يفعله لا يعد ترجمة،بل إعادة كتابة.
شروط الترجمة وفقًا لنظرية بيتر نيومارك
ولذلك وضع نيومارك في نظريته العديد من الشروط التي يجب أن يلتزم بها المترجم في عمله، لعل أهمها ما يلي:
- احترام بلدان لغة المصدر( النص الأصلي)، وثقافتها، ولغتها.
- الأخذ في الاعتبار المستوى الثقافي والدافع الخاص بلغة النص الأصلي ( لغة المصدر).
- الأخذ في الاعتبار دوافع والمستوى الثقافي للقراء.
- اقترح نيومارك تقنية التحويل، والتي تستعمل غالبًا في ترجمة الأشياء المادية، حيث يتم الاستعانة بها في حالة غياب مصطلح في لغة (النص المترجم) يحمل نفس المعنى في لغة المصدر.
- المراد الوصفي والوظيفي: وذلك من خلال شرح كلمة ما في لغة المصدر ، وذلك من خلال جملة قصيرة تحمل نفس المعني.
- الحذف: أي حذف الكلمات أو النصوص الزائدة التي لا تحدث تغييرًا في المعنى أو الدلالة.
- التطبيع: أي استبدال عنصر ثقافي من لغة المصدر أو النص الأصلي بعنصر ثقافي من ثقافة النص المترجم.
أهمية نظرية بيتر نيومارك في الترجمة
يرى نيومارك أنه يجب تطبيق أكثر من نظرية للوصول لنص مترجم مثالي، وبالرغم من ذلك فقد أسهمت نظرية نيومارك في العديد من النتائج، وفيما يلي أهمية هذه النظرية:
- قدم نيومارك العديد من الاقتراحات والحلول بشأن ترجمة المصطلحات الثقافية، حيث طالب بوضع مصطلحات عالمية أو رسمية.
- حددت النظرية أكثر من طريقة للوصول إلى المعنى، وذلك من خلال الاستفادة من علم اللغة التقابلي.
- اهتمت النظرية بالمعنى اللغوي للكلمة، وذلك من خلال التقسيم المشجر للجملة، حيث تبدأ باسم أو شبه جملة، ثم يتبعها اللواحق.
- التركيز على المعنى المرجعي الذي يحدده المعجم.
- الاهتمام بالظلال الشعوري للكلمة، وهو ينشأ نتيجة ارتباط الكلمة بسياق النص أو التجارب الإنسانية أو غيرها.
- أوضحت النظرية أن الترجمة أو النص المترجم يتعامل مع النصوص بثقافتها وظروف إنتاجها.
- إحداث نفس التأثير في النص المترجم، مثلما حدث في النص الأصلي.
- الحفاظ على دقة وصحة الرسائل والمعلومات التي وردت في النص الأصلي، وعدم المساس بها.
- التواصل مع المتلقي، مما ينتج عنها الفهم والاستجابة للنص والتفاعل معه.
- تم تطبيق نظرية نيومارك على نطاق واسع في تدريب المترجمين.
ما نتائج استخدام نظرية نيومارك في الترجمة؟
يعتبر نيومارك أن الطرق والأساليب في الترجمة التي تحددها النظريات، تقدم لنا أفكار حول المعاني، الفكر، اللغة، والسلوك، أي فهم الثقافة، وهو ما يحسن من مستوى الترجمة.
حيث يشبه نيومارك النص المترجم بالجسم الكهربائي التي تجذبه طرفين متضادين من ثقافات ولغات مختلفة، ولذلك اقترح نيومارك عدة معايير لتحليل النص والكلمات، حيث قد يعاني المترجم من عدم الدقة والمرونة في استخدام وتطويع اللغة في الترجمة.
وقد ساعدت نظرية نيومارك في التعبير عن الفروق الدقيقة في المعنى، فغالبًا ما يضيف المترجم في النص معاني لا يحملها النص الأصلي. وبفضل نظرية نيومارك وإسهاماته أصبحت الترجمة أكثر ووضوحًا و انسجامًا مع النص الأصلي.
ومن خلال نظريته، طرح نيومارك إشكالية هامة تتمثل في : هل يمكن الاكتفاء بنظرية واحدة في مجال الترجمة أم لا؟، موضحًا أن عملية الترجمة تعتمد على العناصر التالية:
- الثقافة الأصلية والثقافة التابعة للغة المترجمة.
- لغة النص الأصلي ولغة النص المترجم.
- الكاتب والمترجم.
احترف الترجمة القانونية مع خبراء فاست ترانس
هل ترغب في تطوير مهاراتك في الترجمة القانونية ومواجهة التحديات التي تواجه المترجمين المبتدئين؟ نحن في فاست ترانس ندرك أن الترجمة القانونية تتطلب دقة وخبرة تتجاوز مجرد نقل الكلمات. انضم إلى دوراتنا التدريبية المتخصصة لتحصل على المعرفة والمهارات التي تؤهلك لتقديم ترجمات قانونية دقيقة، موثوقة، ومهنية
ابدأ رحلتك نحو التميز في الترجمة القانونية اليوم! للمزيد من التفاصيل، تصفح الدورة الآن!
الخاتمة
بيتر نيومارك هو أحد أبرز الباحثين في مجال دراسات الترجمة، وقد قدم إسهامات كبيرة من خلال تطوير نظرياته التي تجمع بين الجوانب اللغوية والثقافية في عملية الترجمة. ركزت نظرية بيتر نيومارك في الترجمة على أهمية نقل النصوص بما يتناسب مع الخلفية الثقافية للغة الهدف، حيث يرى أن اللغة والثقافة مترابطتان، وأن الترجمة لا تقتصر على استبدال الكلمات، بل على إعادة بناء المعاني بما يتلاءم مع ثقافة القارئ. كما اقترح نيومارك تقسيم الترجمة إلى نوعين: الترجمة الدلالية التي تركز على النص الأصلي، والترجمة التواصلية التي تهدف إلى إحداث نفس التأثير لدى قارئ النص المترجم.
ركزت نظرية نيومارك على تكافؤ الأثر، حيث يجب أن يشعر قارئ النص المترجم بنفس التأثير الذي شعر به قارئ النص الأصلي. وأكد على أهمية الدقة في نقل المعلومات دون المساس بالمعنى الأصلي للنص، مع مراعاة السياق الثقافي للغة الهدف. قدّم نيومارك أيضًا حلولًا لمشاكل الترجمة مثل إيجاد مقابلات ثقافية مناسبة، والاهتمام بالظلال الشعورية للكلمات، مما ساهم في تحسين جودة الترجمة وتدريب المترجمين على التعامل مع تحديات النصوص المختلفة.