Welcome to Fast Trans Translation

الترجمة المباشرة وغير المباشرة

الترجمة المباشرة وغير المباشرة تعتبر من أهم أساليب الترجمة المعاصرة، فدائماً ما نسمع النقاد والمفكرين يتحدثون عن امتزاج الحضارات والثقافات عبر التاريخ وكم أنتج هذا التماهي ثقافات لا مثيل لها كامتزاج الثقافات الهندوسية والإسلامية في الهند، والثقافات الإسلامية والمسيحية واليهودية في الأندلس، والثقافات الإسلامية والمسيحية في مصر الحديثة. ففي كل حالة قد صُنعت لوحة خاطفة للأنظار وسالبة للألباب؛ فنقول يا ليت الحضارات المنفردة تندثر ويمتزج العالم بأسره بعضه بالبعض الآخر.

ثم يأتي ذات المفكرين والنقاد فيتحدثون عن أهمية تفرد الحضارات المختلفة والحفاظ على نقائها -بمعنى ألا تختلط في جذورها بالحضارات الأخرى- وأنها قد صنعت أنماطاً وخيوطاً مختلفة من الفن والعمارة والتفكير والتقدم، وبدونها سيفقد الإنسان لمسته التنافسية التي تشد بإزر فضوله وتدفعه للتطور.

إذاً، أي منهما صحيح، وأي الرأيين خاطئ؟ في الحقيقة كلاهما صحيح وخاطئ في ذات الوقت. فإن الأمر ليس موضوعياً حيادياً لا يتأثر بتغير الظروف، بل إن لكل حالة الأسباب التي تدفعنا إما لامتزاج الحضارات أو معاملتهم كما نعامل الزيت والماء. لا امتزاج حتى الموت! سنقوم اليوم بذكر تفصيل الأمر من خلال مناقشة ما يدعى بالترجمة الغير المباشرة.

 

ما هي الترجمة المباشرة؟

الترجمة المباشرة هي ترجمة نصٍ من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى، بشرط أن يكون النص ذو لغة المصدر هو النص الأصلي الذي أنتجه كاتبه المبدع، دون تحريف في النص قبل ترجمته. 

يقوم المترجم في هذه الحالة بترجمة أفكار ورسائل الكاتب الأصلي للنص إلى لغة أخرى، ولأن المترجم إنسان، والموضوعية المطلقة ما هي سوى سراب نسعى وراءه إلى الأبد فيمكن أن يتعرض النص المترجم إلى بعض التعديلات أو التغييرات على يد مترجمه.

على سبيل المثال: فإن نص “ألف ليلة وليلة” الشهير كانت لغة المصدر الأصلية لبعض أجزائه هي اللغة العربية، ثم قامت فرنسا بترجمته إلى الفرنسية، وبالطبع تأثر فهمهم للنص بأفكارهم، وعقائدهم الأخلاقية والفكرية، وأهدافهم الفكرية والسياسية، فاختلف النص المترجم عن النص الأصلي في مضمونه والرسائل التي يوجهها لجمهوره.

 

ما هي الترجمة غير مباشرة؟

الترجمة غير المباشرة هي ترجمة نصٍ من لغةٍ إلى لغةٍ أخرى، ولكن النص ذا لغة المصدر في هذه الحالة هو عمل مترجم عن العمل الأصلي، وليس العمل الأصلي بلغته الأصلية التي استخدمها الكاتب الأصلي.

أترى كم مرة استخدمنا كلمة “الأصلي”؟! أجل فالأمر هنا يبعد كل البعد عن المعاني والرسائل الأصلية التي أراد الكاتب الأصلي للنص مناقشتها، فقد تعرض النص إلى أكثر من مترجم في هذه الحالة، وبالطبع كل منهم قد ترك بصمته على النص، سواء عمداً أو بدون قصد.

ويقوم المترجم في هذه الحالة إما بترجمة النص إلى لغته الأصلية مرة أخرى أو إلى لغة ثالثة. دعنا نتحدث عن ترجمة النص للمرة الثانية إلى لغته الأصلية، ونعود كذلك إلى “ألف ليلة وليلة”. 

أراد العرب أن يعيدوا اكتشاف النص، لكن بدلاً من أن يقوموا باكتشاف العمل الأصلي، قاموا بترجمة النص الذي كان بالفعل تمت ترجمته من الفرنسية إلى الإنجليزية، من الإنجليزية إلى العربية، حتى كاد العمل أن يصبح عملاً آخر.

 

ما هي مزايا الترجمة غير المباشرة؟

للترجمة غير المباشرة العديد من المزايا التي سنناقش بعضها في حديثنا اليوم:

1- الترجمة غير المباشرة تعمل على امتزاج الثقافات والحضارات بعضها بالآخر؛ فإن ترجمة العمل المترجم بالفعل إلى لغة أخرى تعني أن كلاً من ثقافة العمل الأصلي، وثقافة الترجمة الأولى، وثقافة الترجمة الثانية جميعهم سينصهرون معاً، فيؤدي هذا إلى ثراء ثقافي دولي.

2- الترجمة غير المباشرة لا تترك العمل في حالة هدوء وسكون، وإنما تأخذه دائماً إلى آفاق جديدة، فإضافات المترجمين لن تساعد على امتزاج الثقافات وحسب، بل ستساهم في ميلاد أفكار جديدة ومعانٍ جديدة للنص الأصلي، فيكون دائم التغير، دائم التلون.

3- الترجمة غير المباشرة تساهم في التطور الفكري للعالم، فإن أصبحت النصوص حية تكتسب معاني وآراء وأفكار جديدة إلى الأبد، فإن هذا سيجعل الأفكار في حركة ميلاد فتطور ثم موت دائمة، وموت فكرة يؤدي تلقائياً إلى ميلاد غيرها.

 

ما هي عيوب الترجمة غير المباشرة؟

ككل شيء على وجه الخليقة، للترجمة غير المباشرة عيوب كما لها بضع مزايا:

أولاً: تعرض الترجمة غير المباشرة إلى فناء الروح الحقيقية للنصوص. فإن تمت عمليات كثيرة من الترجمة غير المباشرة لنص واحد لن يتبقى منه سوى بعض البقايا الصماء التي لا قدرة لها لتبوح بأفكار الكاتب الأصلي لها، وبالتالي ستصبح تلك الأفكار الأصلية في طي النسيان. في هذه الحالة كذلك سيصعب على الباحثين تفقد أثر هذه الترجمات للعودة إلى العمل الأصلي.

ثانياً: على الرغم من أن الفكرة مجردة ليست سيئة، بل ولها بعض المحاسن، إنما نفوس بعض البشر قادرة على قتل أي براعم للخير داخل أي فكرة، خاصة حين يكون للسياسة دخل في الأمر. بعض النصوص لم تكن أبداً في صف بعض الحكومات أو المؤسسات، وحين لم يستطيعوا جعل النص الأصلي طي النسيان بذاته قاموا بتشويهه، وسلبه تفرده وصوته.

هذا بالضبط ما حدث ل “ألف ليلة وليلة”، فالنص الأصلي كان يتحدث عن أثر الكلمة في تغيير العقول عبر القصص الكثيرة التي ترويها شهرزاد على شهريار فتجعله ينثني عن صدمته الأولى والتي دفعته للتضحية بالعديد من النساء. كما كان يتحدث عن فطنة النساء وبصيرتهم في التصرف في المواقف التي تستدعي هذا. هو نص يعكس أهمية العلم والمعرفة التي استخدمتها شهرزاد كسلاح أشهرته في وجه شهريار الجبار الغاضب. النص يناقش أثر الصدمات النفسية على تصرف الإنسان فشريار لم يكن حاكماً ظالماً بطبعهن وإنما صار كذلك بعدما تعرض لضغط عصبي شديد بسبب خيانة زوجته.

حين قام الفرنسيون والإنجليز بترجمة النص قاموا بتحريفه وهذا واضح جلي في أعمالهم السينمائية التي تتبنى قصة “ألف ليلة وليلة” حيث تجردت شهرزاد من حكمتها وذكائها وصارت لا تملك سوى إلا فنون الإغواء النسائية، وصارت القصة هيكلاً خاوياً عن ملك يقتل كل ليلة فتاة، ثم يُفتن بجمال إحداهن. صارت القصة لا تحوي من أفكارها الجزيلة شيئاً.

هل تقع الترجمة غير المباشرة على جانب الخير أم الشر من الميزان؟

تقع الترجمة غير المباشرة على جانب الخير وجانب الشر كذلك من الميزان، فالأمر يتوقف على الموقف ذاته وتقديرك كمترجم أو قارئ للنص المترجم ترجمة غير مباشرة. 

إن ظننت أن النص الناتج قد يضيف إلى المعرفة البشرية فوق ما يضيفه النص الأصلي، أو قد يدفع بني إنسان إلى التطور في أحد المجالات فلا تتردد في ترجمته ترجمة غير مباشرة.

إن شعرت بقلق من إمكانية استغلال أحدهم إلى نظرية الترجمة غير المباشرة ليقوم بوضع سياساته الخبيثة بين حشايا العمل، فلا تسمح له بهذا عبر رفضك لإتمام الترجمة، ورفضك لقراءة النص المترجم من خلال هذه الاستراتيجية كذلك.

 

ما هي أساليب الترجمة غير المباشرة؟

تتبع الترجمة غير المباشرة أساليب عدة، نذكر منها ثلاثة أساليب رئيسية:

أولاً: الترجمة الحرفية: 

حيث يقوم المترجم بترجمة الكلمات والألفاظ ترجمة حرفية، لا يزيد فيها عن ترجمة معنى الكلمات، غير آبه بكون العبارات تحمل نفس المعاني أم لا.

ثانياً: ترجمة الأفكار: 

حيث يقوم المترجم بوضع كل تركيزه على ترجمة الأفكار، غير مكترث أن يبقى على نفس النمط أو الألفاظ التي استخدمها المترجم السابق، فالأفكار أهم شيء.

ثالثاً: الترجمة الهجينة: 

حيث يقوم المترجم بترجمة الأفكار لكن مع الحفاظ بقدر الإمكان بالألفاظ التي استخدمها سابقه. في هذه الاستراتيجية يسعى المترجم لخلق اتزان أثناء الترجمة.

كما بدأنا حديثنا بأفكار نظنها شيقة، دعونا نختتم حديثنا بسؤال: أتظن ترجمة الدول الاستعمارية لأعمال المؤلفين المحتلين، بحجة ضمها للأدب العالمي، ثم إتاحة النسخ المترجمة للترجمة إلى العديد من اللغات الأخرى يعكس صورة أصحاب الأرض عن حياتهم، أم صورة المستعمر لأصحاب الأرض الأصليين؟

 

محتوى قد يهمك

Fast4Trans-logo-white