Welcome to Fast Trans Translation

info@fast4trans.com

00201552196068

دور الترجمة في التبادل الثقافي: من الجزر المنفصلة إلى قرية صغيرة نشطة

إن الترجمة حاكمٌ عادلٌ، لا يهتم لاختلافاتنا العديدة من أجناسٍ، وألوانٍ، وأعراقٍ، وألسنةٍ، وثقافاتٍ، بل يرحب باختلافنا، ويجعل منها رباطاً محكما يجمعنا جميعاً في عالم – رغم اتساعه الشديد – يبدو كقرية متناهية الصغر، حتى أننا جميعاً نبدو كأبناء عائلة واحدة.

 

إن حاجز اللغات المختلفة بين البشر كان يهدد الأمان في العالم، ويحطم بالخوف والكره كل جسور التواصل التي يمكن أن تنشأ بين الأمم، ثم جاءت الترجمة كمقاتل مخلص. من خلال الترجمة تمكننا من صنع جسور فكرية وشعورية تصل بعضنا بالبعض الآخر، وأصبح اختلاف ألسنتنا لا يشكل خطراً يمنع تواصلنا.

 

يمكن رؤية الترجمة كسفينة لنقل أفكارنا وثقافاتنا من بلد إلى آخر، ثم تعود إلينا محملة بالبضائع الثقافية والفكرية الخاصة بالدول الأخرى، فنلتقطها بلهفة، ونخلط معها ذرات عقولنا وأرواحنا، ثم نعيد إرسالها لسائر بقاع العالم مرة أخرى.

 

كيف تساهم الترجمة في الحوار الثقافي؟

إن للترجمة دوراً فعالاً في حوار الثقافات، فهي السماعات ومكبر الصوت الذي يسعنا من خلالهما التواصل مع الآخرين ومشاركة ثقافتنا معهم، والارتشاف من ثقافاتهم كذلك. فلولا الترجمة لظلت كل أمة جزيرة وحيدة وسط محيط شاسع لا نعرف كيف نعبره، أو حتى ما يقبع بأعماقه.

 

فإن نظرنا للتاريخ سنرى أن الترجمة سمحت بالتواصل السلمي بين الأمم، فمهدت الطرق التي كانت من قبل وعرة، وسمحت بعمليات التجارة الدولية والقارية، وأنارت ظلمات الجهل التي كانت تنهش إنسانيتنا، وجعلت للعلم مساراً آمناً لا يهدده ظلم أو ظلام.

 

فمن خلال الترجمة، تمكن العلماء من التواصل مع ذويهم من أهل العلم الذين لا يعرفون لغتهم، وتمكن الطلاب من قراءة كتب ربما لم يخطر ببال مؤلفيها أن تعبر الجبال والبحار وتصل إلى أياديهم، وعرفت الأمم من عادات غيرهم ما جعلهم يغيرون حياتهم، ويطورون ثقافاتهم.

 

كانت الترجمة هي البطل المغوار الذي سمح للعالم بأن يخرج من عصر الظلام الذي أطبق قبضته حول عنق العالم، وكاد يفتك به. فإن في العصور الوسطى التي عانت منها أوروبا، كانت الحضارة العربية في عصرها الذهبي، حيث إن الازدهار كان سائداً في كل المجالات. ثم طغت أوروبا، وأرسلت الأندلس الإسلامية العربية إلى الهاوية، ولم يفت وقتاً طويلاً حتى بدأت الدولة العباسية تتهاوى. 

 

فكيف عاد العالم من هاوية عصر الظلام؟ وكيف تمكنت الترجمة من إنقاذنا؟

أثناء سطو أوروبا على الأندلس اكتشفوا الاكتشافات العلمية والثقافية المذهلة التي سمحت للعرب بالتربع على عرش العالم لأعوام طويلة، وكانت الترجمة هي طريقهم لاكتشاف الدرر التي تحتويها كتابات مفكري وعلماء العرب.

 

اقترضت أوروبا تلك الاكتشافات والكتابات الفلسفية والثقافية والعلمية المذهلة، وبدأت في تطويرها إلى أن وصلت إلى العلم الحديث. فكانت تلك من أعظم الحوارات الثقافية الذي خرج من رحم الحرب والمعاناة بفضل الترجمة.

 

 

ما هي العلاقة بين الترجمة والثقافة؟

إن العلاقة بين الترجمة والثقافة قوية، ووثيقة، كعلاقة المطر بالبحر. فطالما يوجد مطر، يوجد بحر، وطالما يوجد بحر فلن يتوقف هطول المطر. بالمثل: طالما توجد ثقافة، ستوجد ترجمة، وطالما لا تغيب ترجمة، فستكون هناك ثقافة بكل تأكيد.

 

إن الثقافة هي نتاج التعبير عن الهوية الجماعية لمجموعة من الناس، فهي فنهم، وأدبهم، وموسيقاهم، وعاداتهم، وأفكارهم، وكل ما يفعلونه تأثراً بالجماعة يمكن أن يُطلَق عليه لفظ ثقافة. والثقافة تظهر في ثلاثة أشكال رئيسية: أفعال أفراد الجماعة التي تعبر عن هويتهم الجماعية وعاداتهم وتقاليدهم، وحديث أفراد الجماعة عن معتقداتهم وثقافتهم وماذا تمثل بالنسبة لهم، وكتاباتهم التي تضم تعبيراً ووصفاً عن معتقداتهم واهتماماتهم والاكتشافات الفلسفية والفكرية التي وصلوا إليها بفضل بيئتهم وثقافتهم.

 

دون الترجمة، أو أي وسيلة للتواصل بين الشعوب التي تمتلك ثقافات مختلفة تماماً لن يكون هناك سبيل لفهم الآخر أبداً، وسنكون في نظر الآخر من كوكب آخر إلى الأبد، وهكذا تتربص بنا الشحناء، ولا تجعل بيننا هوادة السلام، أو نسيم الأمان.

 

لكن لحسن حظنا أن الترجمة تستطيع فك شفرات الثقافات الأجنبية من خلال ترجمة ما يقوله أصحاب الثقافة عن هويتهم وثقافتهم، وترجمة ما تتم كتابته من نتاج تلك الثقافة الفكري الذي ينتجه أبناؤها. ثم تسمح الترجمة بامتصاص هذه الثقافات المختلفة، وامتزاجها وتداخلها حتى تصنع ثقافات حية فريدة من نوعها، لها طابع أكثر من ثقافة، وبصمة أكثر من شعب.

 

كيف تساهم الترجمة في إغناء الثقافة العربية؟

تساهم الترجمة في إغناء الثقافة العربية بطرق مختلفة واتجاهات متعددة:

 

1- ترجمة الكتابات الأجنبية إلى العربية:

عندما يقوم المترجمون العرب بترجمة مختلف الكتابات التي تختلف في لغاتها الأصلية، فإنهم يسمحون للمفكرين والعلماء العرب من الارتشاف من تلك الثقافات والحضارات، وامتصاص ما يرونه مناسباً ومطوراً لثقافتنا العربية، مما يجعل الثقافة العربية دائماً في طور التشكل، والتمنهج، بلا عصر ثباتٍ طويل، أو سبات خامل.

 

2- ترجمة الكتابات العربية إلى اللغات الأجنبية:

عندما يقوم المترجمون الأجانب إلى ترجمة الكتابات العربية إلى لغاتهم الأجنبية، فإن هذه الترجمة لا بد من أن تكون متأثرة بثقافتهم الخاصة على الرغم من محاولاتهم الدؤوبة التي تلح على المحايدة، فيقومون بإضفاء لمحات من ثقافتهم على النصوص المترجمة من العربية، مما يعني أنهم يضيفون إلى الثقافة العربية، حتى وإن لم تكن هذه نيتهم.

 

كيف يمكن أن تساهم الترجمة في تطور المجتمع العربي؟

يمكن للترجمة اليوم أن تساهم في تحديث الثقافة العربية بشكل فعال للغاية من خلال مجموعة من الإجراءات والتدابير:

 

1 ترجمة المؤلفات الأجنبية:

ترجمة المؤلفات الأجنبية عن لغاتها الأصلية إلى اللغة العربية سيساهم في الإثراء الثقافي العربي، حيث يمكننا استمداد الأفكار الثقافية الخاصة بالثقافات الأخرى من خلال فهم هذه الكتابات، وتبنّيها في ثقافتنا.

 

2الحث على ترجمة مؤلفاتنا:

حث المترجمون الأجانب والمحليون على ترجمة مؤلفاتنا إلى اللغات الأجنبية المختلفة سيؤدي إلى تعرض تلك المؤلفات عربية الأصل إلى الثقافات الأجنبية، مما سيغني بدوره الثقافة العربية بشكل ملحوظ.

 

3– إقامة ندوات تشيد بدور الترجمة في تحديث الثقافة العربية:

إن إقامة ندوات تشير بدور الترجمة في تحديث الثقافة العربية أمراً في غاية الأهمية، حيث أن نشر الوعي بأهمية الترجمة في سير هذه العملية الثقافية هو ما سيحث الجميع على العمل لبلوغ الأهداف الثقافية العربية التي نضعها.

 

4– استخدام الترجمة الفورية كوسيلة تواصل بين الشعوب:

من أساليب تحديث الثقافة العربية استخدام الترجمة الفورية كوسيلة تواصل بين الشعوب. سماع أصحاب الثقافة نفسها يصفون ويشرحون مبادئهم من خلال الترجمة الفورية ومعتقداتهم سيسمح لنا بفهم أعمق لثقافاتهم وبالتالي تبني أعمق للمساتها في ثقافتنا العربية.

 

هل الترجمة نقل لغة أم ثقافة؟

يمكن للترجمة أن تكون بهدف نقل لغة ما أو ثقافة ما، حيث إن هذا يعتمد على تقنية الترجمة المستخدمة للعمل على النص. 

 

إن كانت الترجمة حرفية؛ أي يقوم المترجم بمجرد ترجمة الكلمات، والتعبير عن معنى كل منها منفصلة بلغة الهدف، فإن عملية الترجمة هنا تستهدف نقل لغة. في هذه الحالة يركز المترجم على ترجمة الألفاظ، والتراكيب النحوية، واللغوية المستخدمة، بغض النظر عن العوامل الثقافية التي يتضمنها محتوى النص.

 

إن كانت الترجمة معنوية؛ أي يستهدف المترجم التعبير عن معنى النص بلغة الهدف، ولا يعير اهتماماً كبيراً للالتزام بنفس التراكيب النحوية أو الألفاظ المستخدمة في النص الأصلي، فهو يقوم بترجمة ثقافة النص في هذه الحالة.

 

على الجانب الآخر، اللغة في حد ذاتها هي أحد أوجه الثقافة. لذلك فحتى ترجمة اللغة فقط، دون الثقافة، يشوبه بعض دقائق ترجمة الثقافة. إن أمعنا النظر في هذه الفرضية سنجد أن الترجمة الحرفية اللغوية تقوم بمقارنة لغة النص الأصلي بلغة النص المترجم؛ أي تقوم بمقارنة لغتين مختلفتين تنتميان لثقافتين مختلفتين.

 

كيف ساهمت الترجمة في نهضة الأدب في العصر الحديث؟

ساهمت الترجمة في نهضة الأدب في العصر الحديث من خلال الخوض في مجموعة من المسارات بشكلٍ متوازٍ:

 

1– المدارس الأدبية المتبناة من الأدب الغربي:

وجود المدارس الأدبية العربية المتبناة من مدارس الأدب الغربي دليل على مساهمة الترجمة في الأدب العربي الحديث، حيث إن تبني الأفكار الأجنبية لا بد من أن يكون من خلال الترجمة. فمدرسة البعث والإحياء، والمدرسة الرومانسية، ومدرسة أبولو، ومدرسة المهجر جميعها أمثلة لمدارس أدبية تم بناؤها استناداً على مدارس أدبية غربية.

 

2– إضافة أنواع جديدة من الأدب: 

في القرن التاسع عشر، نشطت الترجمة الأدبية في العالم العربي، والتي سمحت للعرب أن يتعرفوا على ألوان الأدب لدى الغرب، فعرفوا المسرحية الغربية وحاولوا تقليدها حتى أتقنوه، وعرفوا فن القصة القصيرة عن طريق محاكاة القصص القصيرة الغربية المترجمة، وأضافوا إلى تميزهم في فن الشعر من خلال امتصاص ما رأوه حميداً في شعر الغرب بعد ترجمته.

 

3– تطور اللغة وتطور معانيها:

إن اللغة هي العامل الأساسي في عملية الإنتاج الأدبي، فهي ما يحول الأفكار المبهمة إلى كلمات يعقلها القراء؛ لذلك حين تطورت اللغة العربية بفضل دخول المفردات الأجنبية عليها، وتغير معاني بعض مفرداتها تأثراً بالثقافات الغربية، تغير الإنتاج الأدبي وتطور.

 

منذ تعرفنا على فن الترجمة كبشر، صارت أساس الحوار بين الحضارات، وقاضي التبادل الثقافي بين مختلف الدول والشعوب، مما أدى إلى العولمة التي جعلت كل أطراف العالم على اتصال وثيق بعضهم ببعض، وأصبح كل منهم يرتشف من ثقافة أخيه ما يعلي ثقافته وحضارته، وما يضيف إلى العالم من فنون وآداب وعلوم.

 

 

محتوى قد يهمك