إن القرآن الكريم نجمٌ يسطع نوره في قلب العالم أجمع، فيبدل بالظلم العدل، ويبدل بالقسوة الرحمة، وينبت إنسانية في قلوب كانت قاسية واجمة لزمن طويل. ولكن كيف يمكن للقرآن الكريم أن ينفذ إلى نياط القلوب إن لم تفقهه الآذان، وتفهمه العقول؟
هنا يأتي دور ترجمة القرآن الكريم والتي تتيح للشعوب التي لا تتحدث اللغة العربية أن تحظى بشرف قراءة وفهم معاني القرآن الكريم، فمن رحمة الله على العالمين أن خلق لنا فن ترجمة القرآن الكريم الذي يمكننا باختلاف أوطاننا وألسنتنا من فهمه وتدبر معانيه.
ما هو مفهوم ترجمة القرآن الكريم؟
إن ترجمة القرآن الكريم تندرج تحت قسم الترجمة الدينية، وهي تختص بعملية تحويل معاني آيات وسور القرآن الكريم من اللغة العربية إلى لغة أجنبية. الجدير بالذكر أن قراءة ترجمة القرآن الكريم لا تعادل قراءة القرآن، وإنما تعادل قراءة تفسير القرآن الكريم؛ إذ أن القرآن الكريم ذاته لا يكون سوى بلغته الأصلية؛ اللغة العربية.
ما هي شروط ترجمة القرآن الكريم؟
يوجد العديد من شروط ترجمة القرآن الكريم، حيث إن عملية ترجمة القرآن الكريم من أكثر العمليات الترجمية المتخصصة، والتي تحتاج إلى دقة؛ حيث يجب فيها الالتزام بمعنى النص الأصلي، دون الحياد عنه، أو الزيادة عليه، أو النقصان منه. يرجع هذا إلى أهمية عملية ترجمة القرآن الكريم في إيصال رسالة الله إلى خلقه إلى العالم أجمع.
1– أن تكون ترجمة تفسيرية لا حرفية:
يجب على ترجمة القرآن الكريم أن تكون تفسيرية لا حرفية، بمعنى أن يقوم المترجم بترجمة معاني الآيات من العربية إلى لغة الهدف، ولا أن يقوم بترجمة الكلمات كل كلمة على حدة، ثم يضع الكلمات في وضع متراص.
السبب وراء هكذا شرط هو أن في ترجمة القرآن الكريم من بالغ الأهمية التعبير عن نفس الأفكار بدقة متناهية، والترجمة الحرفية لا يسعها التعبير عن فكرة بلغة أجنبية بشكل دقيق، وإنما الترجمة التفسيرية وحدها من بإمكانها ذلك.
2– أن يكون المترجم متقناً للغتين: العربية كلغة المصدر، ولغة الهدف الأجنبية:
لا بد لمترجم القرآن الكريم أن يكون متقناً للغتين: اللغة العربية كلغة المصدر، ولغة أجنبية كلغة الهدف، حيث إن إتقانه اللغوي يقيه التعرض لأخطاء الجهل، وضعف الخبرة، ويسمح له بالتعبير عن معاني الآيات بأسلوب أجزل؛ يناسب قدسية القرآن الكريم الشريف.
يجب على مترجم القرآن الكريم ذي الأصول العربية ألا يكتفي بمعرفته الطبيعية باللغة العربية، وإنما ينبغي أن يقوم بدراستها، ودراسة قواعدها ليتمكن من فهم آيات القرآن الكريم، وتفاسير القرآن الكريم المختلفة بشكل صحيح.
3– أن تتم كتابة الآيات القرآنية، بجانب كتابة النص المترجم:
من شروط ترجمة القرآن الكريم كذلك أن تتم كتابة الآيات القرآنية، بجانب كتابة النص المترجم؛ مما يؤكد على استحالة استبدال الترجمة بالنص، وضرورة تعلم قراءة القرآن الكريم في لغته العربية.
كما يُفضل أن يُدرج تفسير للآية القرآنية مع نص الآية في لغته العربية، ونص الآية المترجم، مما يساعد القارئ على فهم الآية بشكل أوقع.
ما هي شروط صحة الترجمة التفسيرية للقرآن؟
توافر شروط صحة الترجمة التفسيرية للقرآن تضمن جودة الترجمة وصلاحيتها للقراءة، وإن الترجمة التفسيرية للقرآن الكريم هي نوع متخصص من أنواع الترجمة الدينية الذي يقوم على إدراج تفسير المصطلحات المتخصصة التي يصعب على القارئ غير الدارس فهمها، ومن ضمن شروطها ما يلي:
1– أن تستند على تفاسير القرآن الكريم:
يجب على الترجمة التفسيرية للقرآن الكريم أن تستند على تفاسير القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة، والآراء الفقهية لكبار علماء وأئمة المسلمين، حيث إنها ليست ترجمة عادية يمكن أن يقوم المترجم بإجرائها دون أن يرجع لمصادر فهم القرآن الكريم في الإسلام.
2– أن يكون المترجم صحيح العقيدة والإيمان:
يجب على مترجم القرآن الكريم أن يكون صحيح العقيدة والإيمان؛ حيث أن النص المترجم يرتشف دون شك من أفكار ومعتقدات مترجمه، وإن كان للمترجم معتقدات تتعارض مع روح الإسلام ستشوب ترجمته هوى نفسه، وهذا يتنافى مع ضرورة التعبير عن نفس معاني الآيات عند إجراء عملية الترجمة.
3– أن يكون المترجم متخصصاً في الترجمة الدينية، وترجمة القرآن الكريم:
حتى مع توافر تفاسير القرآن الكريم المختلفة، وتعدد مصادر فهم الآيات لابد من أن يكون مترجم القرآن الكريم متخصصاً في الترجمة الدينية عامةً لصعوبتها وتحدياتها المختلفة، وترجمة القرآن الكريم خاصةً. من أجل توفير هذا الشرط يجب عليه أن يدرس العلوم الشرعية، وعلوم التفسير، وعلوم الحديث بتوسع وأن يلم بجوانبها المختلفة، بالإضافة إلى دراسة علم الترجمة بالطبع.
مَن هو أول من ترجم القرآن الكريم؟
خلال التاريخ، يوجد العديد ممن قاموا بترجمة أجزاء أو كامل نص القرآن الكريم، وإن أول من ترجم القرآن الكريم هو الصحابي الجليل سلمان الفارسي، وكان ذلك في أوائل القرن السابع الميلادي، وقد قام بترجمة فاتحة الكتاب؛ سورة الفاتحة إلى اللغة الفارسية القديمة.
ما هي أفضل ترجمة إنجليزية للقرآن؟
أمر أفضل ترجمة إنجليزية للقرآن الكريم نسبياً ومتغيراً، وقابلاً للمناقشة والفحص المتأني. مع ذلك يمكن الإشادة بترجمات مجمع الملك فهد السعودية، والتي يحاول علماء المترجمين من أئمة المسلمين فيها تجنب الوقوع في الأخطاء، وتقديم نسخة دقيقة في معانيها، وجزلة في ألفاظها وتعبيراتها.
ما هي أفضل ترجمة للقرآن الكريم متوفرة الآن؟
كما الحال في ترجمة القرآن الكريم إلى الإنجليزية، فإن أفضل ترجمة للقرآن الكريم متوفرة الآن أمر نسبي، ويخضع للتفاوت بين العلماء وعامة الناس. فمن الناس من يستسيغ ترجمة معينة دون غيرها من الترجمات، أو تأسره كلمات دون غيرها.
على الرغم من هذه النسبية، فإن الآراء قد اجتمعت غالباً حول ترجمة الشيخ عبد الله يوسف والتي تم نشرها عام 1935، وترجمة محمد أسد التي نُشرت عام 1964، وترجمة مارمادوك محمد فيكتال المنشورة في عام 1930.
إن ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات المختلفة فرصة عظيمة ليتعرف العالم إلى ديننا الحنيف، وطريق ذهبي ليتعرف المسلمون الجدد على دينهم وإلههم الذي أوحى إلى نبيه بالقرآن الكريم، هداية وهدية تخرج العالم أجمع من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان الحق.